مع أن المسرح ظهر بشكله البدائي الذي يعتمد على الهزل والسخرية والإضحاك في أيام الخلافة العباسية إلا أن الشاعر أدونيس يرى أن مفهوم ومقومات المسرح في تناقض واضح مع الثقافة الدينية للمجتمع العربي.
فالمسرح بمفهومه القديم والحديث قائم على الإشكال، والثقافة الدينية في المجتمع العربي تتسم بالبنية الخالية من الإشكال لأنها تقوم على الإيمان المطلق، الذي لا يفسح مجالا للتساؤل.
وكيف يمكن أن يزدهر المسرح في ثقافة لا يكون الإنسان في مركزها؟ فالإنسان، مسرحيا ، هو مركز الكون، لكن الله هو مركز الكون في الثقافة الدينية للإنسان العربي.
لكن أدونيس ليس الوحيد الذي لفت الانتباه الى هذا التناقض، وإن كان هو من شكك بوجود مسرح عربي سواء قديم أو حديث.
ومن أوجه التناقض بين مفهوم المسرح وطبيعة المجتمع والثقافة العربية يقول محمد عزيزة إن الصراع أساس المسرح وهو ليس من سمات المجتمع العربي على حسب رأيه.
ويقسم عزيزة الصراع في المجتمع الإغريقي إلى اربعة أشكال: الصراع العمودي، اي تمرد الفرد ضد إرادة الآلهة، والصراع الأفقي اي ثورته على قوانين المجتمع، والصراع الديناميكي الناجم عن رفضه لمصيره، والصراع الداخلي الذي يدور بين الإنسان وذاته.
ولا تتسامح طبيعة المجتمع العربي مع أشكال الصراع هذه.
أما بعض الباحثين الآخرين فيقولون إن المسرح بمفهومه الحديث (نص، خشبة، ممثلون، جمهور) عرف لأول مرة في التاريخ العربي في القرن التاسع عشر وأن أول عمل مسرحي حقيقي كان اقتباس مسرحية البخيل لموليير الذي قام به اللبناني مارون النقاش.
ويرى هؤلاء الباحثون أن هناك عدة أسباب كانت تحول دون نشوء ثقافة مسرحية قبل القرن التاسع عشر منها أن نمط حياة المجتمع العربي كان قائما على الترحال بينما المسرح يتطلب الاستقرار.
ومنها أيضا عدم مشاركة المرأة في التمثيل، وإن كان هذا لم يمنع ازدهار المسرح في عهد شكسبير، حيث كان رجال يؤدون الأدوار النسائية.
أما أدونيس فيضيف أن اللغة العربية هي لغة بيان وفصاحة، أو لغة وحي وإنشاء وتمجيد، واللغة المسرحية هي لغة التوتر والتناقض والقلق والصراع، لغة الحركة ، كما يقول.
والغريب أن تجربته الشعرية القائمة على الإبداع اللغوي هي خير رد على نظريته، فهو ومحمود درويش من الشعراء العرب المعاصرين الذين اثبتوا أن اللغة ليست كيانا ميتا بل هي نسيج عضوي قابل للصهر والتشكيل والتطوير كأي أداة فنية تشكيلية.
كانت النصوص المسرحية للكتاب الكبار الأوائل ذات طابع فكري مجرد (توفيق الحكيم) وفكري (عند سعيد عقل) وفكري ديني (عند علي أحمد باكثير) وفكري أخلاقي (عند عزيز اباظة) كما يقول د.عبدالله أبو هيف في كتابه المسرح العربي المعاصر .
ثم شغلت المشاكل الاجتماعية كتاب النصوص المسرحية ابتداء من خمسينيات القرن الماضي ورافق ظهور الفكر القومي نمو الجيل الثاني من الكتاب المسرحيين الذين اتسمت نصوصهم بالالتزام بمشاكل الجماهير، مثل نعمان عاشور ويوسف إدريس ورشاد رشدي وسعدالدين وهبة وألفريد فرج وصلاح عبد الصبور.
وفي سوريا ظهرت طلائع المسرح الجديد الذي يمثله علي عقلة عرسان وسعدالله ونوس ومحمد الماغوط.
وأنتجت حركة الاستقلال في الجزائر كاتب ياسين.
وهنا انتقل المسرح من معالجة المشاكل الاجتماعية الى القضايا الوطنية، أو زاوج القضيتين، الاجتماعية والوطنية في نصوصه.
ثم بدأت النصوص المسرحية تنحو باتجاه التقدم الاجتماعي والتحرر الوطني، بموازاة تشكل الوعي السياسي للكتاب.
يلاحظ في الحركات المسرحية الحديثة، خاصة في العقود الأخيرة من القرن العشرين غياب التراكم والتأسيس والتقليد الذي يتطور أفقيا بموازاة التطور التاريخي والاجتماعي، واتسام الحركات المسرحية بما يشبه رد الفعل الآني لوعي الكاتب السياسي والاجتماعي.
في خلال أقل من قرن من الزمن لم يشهد نقلة نوعية في التطور الاجتماعي انتقلت غايات وأنماط النصوص المسرحية من نصوص ترفيهية تهدف الى الإمتاع والإرشاد إلى أخرى يغلب عليها التأمل الفكري إلى نصوص تنتهج الالتزام بالقضايا الوطنية وقضايا التحرر الاجتماعي ثم لتنتقل بطفرة غريبة الى التغريب والعبث خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وما تلاها.
بدت الحركات المسرحية في العقود الأخيرة وكأنها ظواهر فردية لا انعكاسا لحركة تطور المجتمع ككل، لذلك اقتصر الاهتمام بها على النخبة (السياسية بشكل خاص)، وعجزت عن أن تؤسس تقليدا راسخا، أو أن تضطلع بدور ثقافي مميز.