كان البابليون اول من اخبر ان كائنات من كوكب جاءوا الى الارض، فهل توجد دلائل على ان الحياة على الارض جاءت من الفضاء الخارجي؟ للبرهنة على هذه الامكانية تجري اختبارات غالية للغاية...
على متن المركبة الفضائية الروسية Phobos Grunt, والتي توجهت في سبتمبر الى القمر فوبوس الذي يدور حول المريخ، يوجد مجموعة من الكائنات الحية الصغيرة والمجهرية ليصبحوا اول الميكروفضائيين. هؤلاء سيرافقون المركبة في سفرتها ذهابا وايابا لتهبط على الارض عام 2014.
الميكروفضائيين جرى اختيارهم من قبل جمعية الكواكب الامريكية The Planetary Society, ووضعهم في ثلاثين زجاجة ومجموعهم في علبة اطلق عليها "Living Interplanetary Flight Experiment, LIFE". الهدف من الاختبار تجربة فرضية امكانية انتقال الحياة من كوكب الى اخر. (panspermi hypotese).
خلفية هذه التجربة ان الطبيعة قادرة على تأمين " مركبة فضائية" من حيث المبدأ قادرة على نقل الحياة الميكروسوكوبية عبر الفضاء ، مثلا من المريخ الى الارض. شظايا الاحجار التي تنطلق الى الفضاء بسبب اصظدام النيازك الكبيرة بالكواكب تملئ الفضاء، والارض تتلقى طول الوقت نيازك واحجار هاطلة عليها من السماء. غالبية هذه الاحجار قادمة من نيازك ميتة ولكن قسم ضئيل يمكن ان يكون قادم من كواكب جيران للارض. هذا الامر يحدث عند اصطدام نيازك ضخمة بالمريخ مثلا فينقذف عنه كمية كبيرة من الغبار والصخور الى الفضاء وبعد دورانها في مدارات حول الشمس لبضعة سنوات يمكن ان تسقط على الارض. وإذا كانت تحتوي على حيوات ميكروبية قادرة على تحمل مشقة الرحلة مثلا بالبقاء في سبات وتحمل ضربة السقوط على الارض يمكن للحياة ان تنتقل من المريخ الى الارض، لتستيقظ عندما تصبح الظروف ملائمة. هذا النوع من الميكروسكوبيات هي التي جرى ارسالها في الرحلة الفضائية.
إكتشافان حديثان قويا الاعتقاد بفرضية ان الحياة يمكن ان تأتي على ظهر نيزك. الاول هو العثور على حجر كهرمان عمره 40 مليون سنة ومنه تمكن المختصون اخراج بكتريا كانت في جسم حشرة مسجونة في الحجر. هذه البكتريا من نوع Bacillus sphaericus عند وضعها في محلول غذائي انتعشت وبدأت بالتكاثر. وعلى الرغم من عدم صحة المقارنة بين حياة من حجر الكهرمان وحياة من نيزك غير ان الاكتشاف يبرهن على ان البكتريا تمكنت من البقاء على قيد الحياة معزولة بدون غذاء.
الاكتشاف الثاني جاء من نيزك سقط فوق السودان عام 2008. (Asteroid 2008 TC3). عند تحليله تم العثور على 19 حمض اميني مختلف. الباحثون ليس لديهم اي شك في ان هذه الاحماض الامينية جاءت من السماء وليس تلوث من الارض، إذ ان الاحماض الامينية تحتوي على مركبات يسارية ويمينية بمقدار متساوي، في حين ان الاحماض الامينية الارضية لاتملك مركبات يسارية. وايضا النيزك يحتوي على معادن تتكون فقط في الحرارة العالية. هذه الحرارة ، على الاغلب، نشأت عند اصطدام نيزكين كبيرين astroide . واقع ان الاحماض الامينية تمكنت من البقاء على الرغم من حرارة الاصطدام بين النيازك ومع طبقة جو الارض غاية في الاهمية لتقوية الفرضية الكونية.
يجب الانتباه الى ان panspermihypotese ليست فرضية حول كيفية نشوء الحياة على الارض وانما فقط ان الحياة يمكن ان تنتقل الى الارض من الفضاء. الفيلسوف الاغريقي Anaxagoras من القرن 400 قبل الميلاد كان اول من طرح الفرضية عندما اشار الى ان ابواغ الحياة النباتية جاءت من الهواء ونزلت للارض مع الامطار ليقوم المطر بإخراج الحي من الميت في حين ان الحياة الحيوانية تخرج من الطين الحار الرطب.
مفهوم ان الحياة يمكن ان تخرج مباشرة من غير الحي ( الطين مثلا) لتكون الارض هي الرحم، تملك جذورا في تاريخ الفكر الانساني تعود الى ماقبل الفين عاما او اكثر، حيث جاء ذكرها في ملحمة جلجامش البابلية واستمر حيا في اذهان الناس فترة طويلة. والمفهوم القديم لم يكن يقصد فقط الحيوات الدقيقة في قطرات المياه وانما ايضا الحيوانات الكبيرة. فقط بعد ان تمكن الباحث لويس باستور من البرهنة، عام 1857، على ان الحي على الدوام يخرج من حي اخر اضطر الناس الى التخلي عن مفهوم " رحم الارض".
على خلفية هذا التحول اصبح من الضروري الاعتقاد ان الحياة الحالية انحدرت عن حياة سابقة، ولكن ذلك لايعطي تفسيرا لكيفية ظهور الحياة للمرة الاولى على الارض. المعضلة دفعت الفيزيائي Hermann Von Helmholtz عام 1874 ان يقدم اول الفرضيات يقول :" ... ولكوننا لا نستطيع ان ننشأ الحياة من مادة غير حية، فإنه من الناحية العلمية يصبح صحيح ان نتساءل إذا كانت الحياة نشأت ام انها قديمة مثل المادة نفسها.. وبذرة الحياة يمكن فقط نقلها من كوكب الى اخر لتزدهر إذا سقطت في تربة ملائمة".
في السبعينات عادت فرضية مصدر الحياة الفضائي الى الواجهة بفضل رواد الفضاء Fred Hoyle and Chandra Wickramasinghe, الذين لاحظوا سحابة كونية تحتوي على مركبات عضوية معقدة. بل وصل بهم الامر الى الاعتقاد بوجود بكتريا بكميات كبيرة في الفضاء. غير ان اعتقادهم بوجود بكتريا في الفضاء جعلت الكثير من العلماء تتحفظ تماما عن دعم فرضية دور للفضاء في نشوء الحياة. اليوم اصبح ليس بالامكان التغاضي عن احتمال وجود دور للفضاء الكوني على الرغم من اتفاق غالبية المختصين ان الحياة نشأت على الارض قبل 3،5 مليار سنة.
يوجد سببين لاعتبار ان panspermihypotese لازالت إمكانية من الامكانيات المحتملة للحياة على الارض. الاول ان الحياة ظهرت على الارض بسرعة كبيرة ، بفترة قصيرة للغاية بعد ان اصبحت الارض مناسبة للحياة. لفترة عدة ملايين من السنوات بعد تكون الارض بقيت الارض هدفا لضربات عنيفة من النيازك الكبيرة والمتوسطة. هذه الضربات حولت الارض الى بحر من المصهورات الملتهبة بحرارة تصل الى 1000 درجة مئوية. في هذه الفترة من عمر الارض كانت الحياة مستحيلة على الارض بالطبع. علماء الاحياء لايعرفون على الدقة متى بدأت الحياة على الارض ، ولكن الكثير من الدلائل تشير الى ان ذلك حدث بسرعة بعد تبرد القشرة الارضية. القصف النيزكي للارض انتهى قبل 3،9 مليار سنة واقدم اثار الحياة المؤكدة تعود الى ماقبل 3،5 مليار سنة. هذا في ذاتها برهان لصالح فرضية الحياة او مكونات لها من الفضاء الخارجي ولكن إذا كانت الحياة نشأت على الارض لابد ان الدورة كانت سريعة.
السبب الثاني ان وجود كائنات حية من مجموعة extremophile, قادرة على تحمل ظروف استثنائية غاية في الصعوبة يبرهن في ذاته على وجود كائنات مناسبة لتحمل الرحلات الفضائية الطويلة. احد العوامل الخطرة للانتقال في الفضاء هي الاشعة الكونية، والتي بسهولة قادرة على تركيب الترابط في المركبات العضوية لتقتل الكائن. غير ان البكتريا من نوع Deinococcus radiodurans قادرة على تحمل اشعة اقوى الف مرة من الجرعة التي تقتل الانسان.
انواع اخرى من هذه المجموعة من الاحياء تستطيع تحمل بيئات فيها درجات حرارة عالية اعلى من درجة حرارة الغليان وتقريبا الى حد الجفاف التام وضغط عال للغاية وظلام تام وترتاح تماما في بيئات قلوية او حمضية قوية. وجود مثل هذه المجموعة من الاحياء تعني اننا لانستطيع انكار إمكانية انتقال الميكرو احياء الى الارض بواسطة النيازك.
مشروع LIFE(ارسال احياء الى الفضاء) ادى الى نقاشات حادة فالبعض اعتبر ذلك انتهاكا للاتفاقيات الدولية و للمعايير الاخلاقية العلمية على السواء. البعض الاخر يراه نموذجا على ان الانسان في طريقه ليصبح إلها يقوم بزرع الحياة على الكواكب الاخرى الميتة.
الجانب الحقوقي للمسألة يجري تناوله الان بنشاط كبير. في عام 1967 ظهر بيان الامم المتحدة رقم 9 " Outer Space Treaty" حيث ينص على ان " من خلال التوقيع على هذا البيان، يجري الاعلان عن الالتزام بإجراء دراسات الكواكب الاخرى بطريقة تتجنب نقل التلوث الضار". في محاولة لمنع تلوث الكواكب من الارض بما يجعل من الصعب دراسة البيئة الاصلية. على نفس النمط لايجوز تلويث الارض بمواد من الكواكب الاخرى.
غير انه إذا كانت الفرضية المطروحة صحيحة، فإن ذلك يعني ان المجموعة الشمسية تبادلت الاحياء بين بعضها البعض خلال تاريخ المجموعة الشمسية برمته، وانهم (لذلك السبب) يملكون دفاع حيوي تجاه بعضهم البعض. غير ان المعضلة ان العلماء لم يتوفقوا على الدوام في ايصال مركباتهم الفضائية الى هدفها إذ من 38 مركبة فضائية جرى ارسالها الى المريخ وصل فقط 19 منها اما البقية فتم فقدانها. وإذا فشلت الرحلة الحالية فسيصبح من الصعب معرفة إذا كانت دراساتنا القادمة لبيئة المريخ هي دراسة للبيئة الاصلية للمريخ ام لبيئة ملوثة من قبل مركبات الانسان الضائعة.
ومهما كان الامر لربما صدق مكتشف الحمض النووي الباحث Francis Crick عندما قال:" نحن نتاج مزارعين من الفضاء، قاموا بزرعنا قبل ملايين السنوات، وآن الاوان لنا ان نشارك في احياء الكواكب".